المدخرات الدولارية تحقق أعلى عائد للحفاظ على الثروة خلال السنوات الثمان الماضية

ربح سلطان بروناي مليارات الدولارات من عوائد النفط في السبعينات، لكن لو تخيلنا أنه بعد حصوله على تلك الأموال لم يستثمرها، بل حشا بها مرتبته وتركها على ذلك النحو. عندئذ كانت ستواجهه عدة مشكلات؛ أولها كان سيجد صعوبة شديدة في الخلود إلى النوم بسبب تلك المليارات المحشوة في المرتبة، وثانيًا ستجد الأصابع الخفية طريقها إلى مخبأ النقود كل صباح، وثالثًا والأهم ستتعرض تلك الأموال لأكثر اللصوص قسوة ألا وهو التضخم. اذا لو كان سلطان بروناي قد حشا مرتبته بمليار دولار عام ١٩٧٠ فلن يساوي هذا المليار الآن سوى ما يقرب من مئتان مليون دولار.

جميعنا يخشى أن يلتهم التضخم مدخراته لذا نفكر بشكل أو بأخر في وسيلة نحافظ فيها على الأقل على قيمة ما لدينا من مدخرات، أو استثمار يحقق عائد تراكمي يزيد من حجم هذه الثروة مع مرور الوقت. وهو ما يطرح سؤالًا ملحًا حول أفضل وسيلة لتحقيق أعلى عائد على الأموال؟ خاصة في ظل التقلبات الاقتصادية التي شهدتها مصر في السنوات الماضية وتأثرها بالتغيرات الاقتصادية العالمية كتقلب أسعار النفط وتغير أسعار صرف العملات الأجنبية. ما يطرح فكرة البحث عن طرق آمنة للاستثمار.

يرتبط مصطلح الاستثمار الآمن لدى الكثيرين منا بثلاثة أنواع هي: العقارات، الذهب، والودائع البنكية. لكن من منهم قادر على تحقيق أعلى عائد وأقل مخاطر. إذ أن تذبذب أسعار الذهب عالميًا، وارتفاع أسعار العقارات، وتباطؤ حركة المبيعات وتزايد حجم المعروض منها، وتأرجح أسعار الفائدة على الودائع البنكية بين الصعود والهبوط، جعلنا نطرح السؤال عن أفضل وسيلة للحفاظ على المدخرات؟ ونبحث عن الإجابة من واقع مقارنة بيانات عوائد كلا من الاستثمار في الذهب والعملات والعقارات والأوراق المالية ببعضها، مقارنة بالادخار المنزلي والإدخار في الودائع البنكية.

وفي دراسة أعدتها “المال” لتحديد العائد على الادخار أو استثمار مبلغ قدره ١٠٠٠ جنيه مصري في نهاية عام ٢٠١٠ عبر قنوات ادخارية واستثمارية مختلفة، قمنا برصد بيانات إغلاقات مؤشر البورصة المصرية Egx30 مؤشر عقار ماب الذي يقيس تغير حجم الطلب في السوق العقاري، وكذلك التغير في أسعار صرف الدولار واليور في مقابل الجنيه المصري، وكذلك أسعار البيع المحلية لجرام الذهب من عيار 21، خلال الفترة ما بين ديسمبر 2010 وحتي منتصف شهر نوفمبر من عام 2018. اذ قمنا بحساب العائد السنوي في كافة الوسائل الاستثمارية السابقة مع اسبعاد أثر التضخم السنوي عليها.

في حال ادخار المبلغ في خزينة المنزل أو من خلال الودائع البنكية، ففي الخيار الأول ستتأكل قيمة المبلغ بقيمة تقترب من ٧٠٪ نتيجة للتضخم السنوي لتصبح قيمته الشرائية اليوم تساوي فقط ٣٠٠ جنيه؛ بينما سنتمكن من تقليل تأكل قيمة المبلغ إذا قررنا ادخاره في وديعة بنكية سنوية لكننا لن نتمكن من الحفاظ عليه عند نفس القيمة نظرًا لأن التضخم ينمو بمعدل أكبر من الفائدة البنكية. وبالرغم من أن التراجع في أسعار فائدة البنوك خلال نفس الفترة تساوى مع مرات ارتفاعها إلا أن متوسط التغير في العائد كان سالبًا في نهاية الفترة.

تعد الودائع البنكية وسيلة آمنة للإدخار إذا ما أخذنا في الاعتبار نمو التضخم، لكنها لن تنجح في الحفاظ على قيمة النقود المدخرة في حال استبعاد أثر التضخم من عائد الودائع. فمهما كان سعر الفائدة في البنك مرتفعًا على الودائع فهو أقل من معدل التضخم، بالتالي فأننا لا نحافظ على مدخراتنا بل أن كل ما يمكن فعله هو تخفيف تآكلها؛ بينما عائد الاستثمار في العقارات أفضل بكثير من فوائد البنوك.

إذا قررنا أن نستثمر أيضًا ١٠٠٠ جنيه مصري في قطاع العقارات في نهاية عام ٢٠١٠ فإننا سوف نجني نموًا يبلغ قدره ٥٥,٧٣٪ حتي نهاية الشهر الماضي من العام الجاري بعد استبعاد أثر التضخم، وفقًا للتغير في قيمة مؤشر عقارماب والذي يحتوي على أكثر من ١٠٠,٠٠٠ وحدة عقارية. بينما سيحقق الاستثمار في الأوراق المالية عائدًا أعلي بمقدار ١١٪ ، لكن عند مقارنة التقلب في العائد نجد أن الاستثمار في البورصة شهد تراجعًا لثلاث مرات في الثمان سنوات مقارنة بمرتين في حال الاستثمار في العقارات، برغم أن المخاطر تقاربت إلا أن العوائد اختلفت في كلا القطاعين بشكل ملحوظ.

 

يلبي الاستثمار في الأوراق المالية حاجة بشرية أخرى أساسية ألا وهي الرغبة في المضاربة أو المراهنة علي تحركات الأسعار في فترات قصيرة الأجل؛ لكنها أيضًا تتيح خاصية التنوع في مجالات الاستثمار مما يحد من شدة المخاطرة، خاصة وإذا كان هناك تنوعًا عكسيًا في عوائد الأوراق المالية المستثمر بها، ما يضمن أن التراجع في ورقة مالية سوف يقابله ارتفاع في الأخرى.

فالعلاقة بين العائد والمخاطر أبدية وذات طابع طردي متزايد، فكلما زاد معدل المخاطر المتوقع زاد أيضًا معدل العائد المتوقع. ففي تقرير نشرته جريدة وول ستريت جورنال عام ١٩٩٨بعنوان “السندات تجعلك تنام الليل ولكن بثمن” تناول التقرير إحصائيات عوائد الأسهم والسندات منذ عام ١٩٤٥ حتى عام ١٩٩٧. وخلال تلك الفترة حققت محفظة استثمارية مكونة بالكامل من الأسهم ربحًا بمتوسط عائد سنوي بلغت نسبته ١٢,٩٪، بينما حققت محفظة استثمارية أخرى مكونة بالكامل من السندات متوسط عائد سنوي بلغت نسبته ٥,٨٪ خلال نفس الفترة. وقد يتسأل البعض عن منطق الذين قرروا أن يستثمروا في محفظة تحقق عائد أقل بينما هناك بديل آخر من المؤكد سيحقق لهم عوائد أكبر.

استعرض التقرير أيضًا الأداء المختلف للمحفظتين في أسواء الأعوام التي شهدها كل منهما خلال الفترة الزمنية المرصودة بالتقرير. حيث تبين أن محفظة الأسهم فقدت ٢٦,٥٪ من قيمتها في أسوأ عام لها؛ بينما محفظة السندات فقدت تقريبًا ٥٪ في أسوأ عام شهدته وهو العام الوحيد الذي تراجعت فيها عوائد الاستثمار في هذه المحفظة بينما محفظة الأسهم تراجعت عوائدها ثمان مرات.

وإذا ذهبنا لتوجيه مدخراتنا إلى المعدن النفيس، وقررنا ادخار ما يعادل قيمة ١٠٠٠ جنيه مصري في جرامات الذهب، والمعروف عند المصريين طوال الوقت بأنه وسيلة للاحتفاظ بقيمة الأموال على المدى البعيد، خاصة أنه يمكن بيعها بسهولة على عكس العقارات، سوف نحقق عائد يزيد عن ١٠٠٪ من الاستثمار في العقارات أو 

الأوراق المالية، حيث سيبلغ معدل التغير في المبلغ المدخر ١٢٠,٣٨٪ في الفترة بين ديسمبر ٢٠١٠ ومنتصف شهر نوفمبر من عام ٢٠١٨.

السنة قيمة الاحتفاظ بالمبلغ بالمنزل % التغير الودائع % التغير العقار % التغير الأوراق المالية % التغير اليورو % التغير الذهب % التغير الدولار % التغير
2010 1000 1000 1000 1000 1000 1000 1000
2011 905 -9.55% 975 -2.49% 905 -9.55% 470 -52.98% 909 -9.10% 1042 4.17% 940 -6.03%
2012 862 -4.66% 1039 6.58% 1192 31.75% 745 58.35% 1032 13.55% 1190 14.24% 1004 6.84%
2013 762 -11.66% 964 -7.25% 1204 1.00% 860 15.48% 1086 5.27% 906 -23.83% 1058 5.34%
2014 685 -10.13% 980 1.64% 1364 13.31% 1162 35.08% 1001 -7.87% 936 3.23% 1107 4.68%
2015 609 -11.06% 965 -1.49% 1286 -5.72% 894 -23.01% 974 -2.72% 902 -3.63% 1200 8.37%
2016 467 -23.27% 846 -12.29% 1384 7.62% 1359 52.02% 1884 93.43% 1948 115.98% 2430 102.53%
2017 365 -21.90% 886 4.74% 1520 9.81% 1683 23.83% 2145 13.88% 2210 13.48% 2392 -1.54%
2018 300 -17.68% 926 4.48% 1557 2.47% 1616 -4.00% 2147 0.11% 2204 -0.28% 2546 6.45%

يعرف الذهب بأنه المعدن الأكثر طلبًا على مستوى العالم وأن الطلب عليه يتزايد سنويًا، وقد عرف الذهب منذ قديم الزمان على أنه مخزن آمن للثروة كما أن تحويله إلي أموال سائلة ليس بالأمر العسير. لكنه كغيره لم ينجو من مخاطر السوق فقد شهد تراجعًا لثلاث سنوات في فترة المقارنة وحقق في المتوسط تغيرًا قدره ١٥,٤٢٪.

بينما إذا كنا احتفظنا بمبلغ 1000 في نهاية عام 2010 في صورة ما يقابلها من دولار، ما يعادل تقريبًا 127 دولار، فأننا سنحقق الآن عوائد تفوق 150٪ وما كان هذا النمو سيحدث لولا قرار تحريك سعر الصرف وتعويم الجنيه المصري الذي صدر شهر نوفمبر من عام 2016، حيث كان الادخار في الودائع يحقق عوائدًا أكبر من الادخار في الدولار نظرًا لثبات سعر صرف الدولار وعدم تحركه بشكل ملحوظ.

لقد ساهمت القرارات الاقتصادية غير المتوقعة من تغير النتائج، حيث تحول الادخار الدولاري من موقف الخاسرين إلى أفضلهم، وبرغم تراجع أسعار الذهب عالميًا إلا أن ربطها بسعر الدولار جعلها تحتل المركز الثاني في قائمة أفضل وسيلة للحفاظ على قيمة الأموال المدخرة وتحقيق عائدًا يفوق الارتفاعات السنوية للتضخم. كما عكست البيانات أن ادخار الأموال في المنزل أو في ودائع بنكية لفترات طويلة قرار محفوف بمخاطر تأكل قيمة الأموال، ربما يضمن هاذان الخياران بقاء الأموال كما هي من حيث القيمة العددية لا بالتأكيد لا يضمنان بقاد قيمتها الشرائية.

 

 

Author

المؤسس والمدير التنفيذي لشركة Info Times، كما يشغل العراقي منصب ومدير التطوير والإبداع. ويتمتع بخبرة 12 عامًا في مجال الإعلام، وهو رائد في مجال صحافة البيانات ورواية القصص بالمنطقة.

Thank You

لا تفوت قصة

Tأفضل ما لدينا، رأسًا من إنفوتايمز

إلى بريدك الإلكتروني شهريًا.