تفاصيل التنقيب في مئات الخلايا والوثائق
مع بداية عام جديد، نود أن نشارك جمهورنا من القراء والزملاء الصحفيين التفاصيل وراء عدد من أبرز القصص الصحفية المدفوعة بالبيانات، التي نشرناها خلال العام الماضي 2018، والتي نالت -عن مجملها- جائزة “أفضل فريق مختص في صحافة البيانات” المقدمة من خلال شبكة المحررين العالمية GEN لعام 2018.
عام مضى تعلمنا فيه الكثير على المستوى الشخصي، واكتسبنا فيه المزيد من الخبرات، في مجال صحافة البيانات، ليس فقط على مستوى القواعد العامة والأدوات، ولكن فيما يتعلق بـ «حِيَل» وطرق العمل مع البيانات، والحصول عليها، وكشف الغبار عمّا بداخلها من قصص مميزة، وطرق معالجتها وتنظيمها، وسردها بصريًا.
ورغم قلة ما نشرناه خلال العام، إلا أن سعينا انصب نحو تقديم محتوى هادف وملهم من القصص الصحفية المدعومة بالبيانات، دون الركض خلف جملة الأخبار اليومية، كما عملنا خلال العام الماضي على ابتكار عدد من التقنيات الخاصة بنا، للتغلب على عقبات كثيرة تتعلق بشكل وصورة البيانات المتاحة، أو تلك التي تعوق طريق وصولنا إلى بيانات منظمة ومنسقة في شكل جداول Excel صالحة للتحليل والفلترة، والتبويب، حتى يتسنى لنا توظيف النتائج في شكل قصص صحفية مقدمة من خلال عناصر بصرية تخدم رواية ما اكتشفناه من معلومات.
وفيما يلي نستعرض معكم كواليس عدد من القصص التي أنتجناها، والعقبات التي واجهتنا وطرق حلها، والأدوات التي استخدمناها لعرض هذه القصص وسردها بصريًا.
قتل في عش الزوجية
إعادة تدوير الأخبار لبناء قصة مختلفة
عادة ما تتناول الصحف والمواقع الإلكترونية المحلية أخبار جرائم العنف الأسري بشكل روتيني، وتقريبًا لا يمر يوم دون الإشارة إلى جريمة من هذا النوع الذي يقتل فيه الزوج زوجته أو العكس، وهو ما دفعنا للبحث عن أسباب وطرق ارتكاب مثل هذه الجرائم، ولم يكن أمامنا أي بيانات رسمية متاحة، فكانت الأخبار اليومية التي تنشرها المواقع الإلكترونية هي مصدرنا الوحيد، وهنا قررنا الاعتماد على موقع اليوم السابع، والبحث في أرشيفه عن أكبر عدد ممكن من أخبار جرائم العنف الأسري.
من أرشيف الأخبار إلى قاعدة بيانات منظمة
جمعنا ما نشره الموقع من أخبار في الفترة من بداية يناير 2014، إلى 21 نوفمبر 2017، باستخدام أداة يقدمها موقع import.io لاستخلاص الأخبار في فترة الدراسة أو الفحص، بعد إدخال كلمات مفتاحية مثل «زوج- زوجة- قتل» ومن ثم قدمت لنا الأداة 600 خبر عن جرائم قتل وشروع في القتل، نشرت خلال الفترة المحددة مسبقًا.
فلترة البيانات
بعد نظرة فاحصة للحالات الـ 600، وجدنا أنها تتضمن عددًا من أخبار الجرائم التي وقعت في بلدان أخرى غير مصر، إلى جانب احتوائها على ما يمكن تسميته بجرائم وهمية، تناولها الموقع خلال عرضه لتفاصيل وأخبار المسلسلات والأفلام السينمائية، إضافة إلى وجود أكثر من خبر يتعلق بجريمة واحدة، وهي في الغالب متابعات إخبارية لتطورات الجريمة وتقدم سير الإجراءات القانونية اللاحقة.
وبعد عملية تدقيق وفحص للأخبار الـ 600، واستبعاد المتكرر منها، وأخبار الجرائم التي وقعت خارج مصر، أو في إطار تغطية أخبار الفن، استبعدنا ثلثي الحالات تقريبًا ليتبقى لدينا 222 خبر، يمثل كل واحد منها حالة واحدة فقط.
بناء قاعدة البيانات يدويًا
في هذه المرحلة حولّنا ما نستخلصه من بيانات إلى شكل أكثر تنظيما في جداول Excel صالحة للتحليل والفلترة، لأن أداة الاستخلاص قدمت لنا روابط الأخبار، وفقرة كاملة من مقدمة كل خبر، تتضمن المعلومات الأساسية في شكل نص متصل، فكانت الخطوة التالية هي تقسيم فريق العمل إلى مجموعتين، الأولى تتولى تفكيك هذه النصوص إلى بيانات مفردة، واستخراج معلومات مهمة منها، وإدراجها في أعمدة لبناء قاعدة البيانات، مثل وظيفة الجاني والضحية، وعمر كل منهما، وسبب الخلاف، وطريقة القتل، بينما تتولى المجموعة الثانية مراجعة عمل المجموعة الأولى واستبعاد البيانات المكررة، والتأكد من دقة عملية الإدخال الأولى.
الإجابة عن الأسئلة الأساسية
بعد أن أصبح لدينا شكل واضح ومنظم ومدقق من البيانات المدرجة في جداول، بدأنا مرحلة أخرى من التحليل والربط، لاستخلاص النتائج، التي كانت مدهشة لنا قبل أن تكون مدهشة للقارئ العادي، تتمثل في الإجابة على الأسئلة الأساسية، مثل: أي النوعين أكثر ارتكابًا لجرائم القتل؟ وفي أي سن؟ والأسباب التي تقف وراء جرائم كل نوع ضد الآخر، والطرق التي اتبعها كل نوع لقتل الآخر أو الشروع في قتله.
ربما لن تتفاجأ حين تعرف أن الزوج هو من يقتل زوجته في 147 حالة منها، وأن الزوجة تقتل زوجها في الحالات الـ 75 الباقية، أنه إذا قسمنا هذا العدد على أشهر الفترة التي تغطيها بياناتنا سيكون متوسط عدد الزوجات اللاتي تعرضن للقتل -أو محاولة القتل- على يد أزواجهن 3 زوجات كل شهر، أي ما يعادل ضحية واحدة كل 10 أيام.
قرارات الرئيس المصري للفترة الرئاسية الأولى
بيانات ضخمة متاحة وغير مرقمنة
هذه المرة كنّا أمام عشرات الكيلوات من الورق، هي وزن عدة رزم ضخمة من أعداد الجريدة الرسمية وهي مطبوعة شهرية إضافة إلى عدة ملاحق أخرى، مليئة بكم هائل من القرارات الحكومية التي يعتمدها رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء وفقًا للنظام التشريعي المصري الذي يقضي بأن يكون الرئيس هو المرحلة الأخيرة في سن القوانين التي تحال له من مجلس النواب، ومن ثم نشرها في الجريدة الرسمية لتصبح بذلك سارية المفعول.
أردنا من خلال هذه القصة تحليل الولاية الأولى للرئيس السيسي من خلال القرارات التي أصدرها ونشرت في الجريدة الرسمية، في الفترة من يونيو 2014 إلى ديسمبر 2017.
تحويل المطبوع إلى رقمي
كانت المهمة صعبة وشاقة وطويلة، لأننا غصنا في بركة موحلة من النصوص المطبوعة الجامدة التي تتطلب جهدًا مضاعفًا لتحويلها إلى بيانات منظمة ومدرجة في جداول قابلة للتحليل والفلترة، لكن بعد أن أنهينا هذه المهمة التي استغرقت 3 أشهر من التحرير والتدقيق، وجدنا أن الرئيس السادس لجمهورية مصر العربية أصدر 1,178 قرارًا رئاسيًّا خلال الفترة المذكورة، وهي جملة ما وقّعه من قرارات خلال فترة رئاسته الأولى. وأن هذه القرارت أصبحت على حواسيبنا الآن وأننا بتنا قادرين على التنقيب بداخلها واكتشاف تفاصيل خفية.
استراتيجية الترتيب والتنقيح لعرض البيانات
اتبعنا منهجين في تحليل هذه البيانات الضخمة، الأول هو ترتيبها زمنيًا من الأقدم إلى الأحدث، لمعرفة عدد القرارات في ظل تطور الزمن وتحديد الأوقات التي شهدت كثافة في إصدارها، والثاني هو تصنيفها إلى فئات رئيسة، مثل القرارات الاقتصادية، والقرارات الإدارية، والقرارات السياسية، ثم تقسيم التصنيفات الرئيسة إلى أخرى فرعية أكثر دقة ووضوحًا، فنذكر مثلًا أن هذا القرار الذي أصدره الرئيس في تاريخ محدد، هو قرار ضمن فئة القرارات الاقتصادية، الخاصة بالموازنة العامة للدولة، أو أنه قرار ضمن فئة القرارات الإدارية الخاص بتعيين أو تكليف مسئول ما بمنصب ما.
عرض البيانات حسب الطلب
كان التحدي الأخير لنا هو كيفية عرض هذا الكم الهائل من القرارات للقارئ؛ حتى يتمكن من قراءة كل قرار دون أن يشعر بضخامة البيانات في هذه الجزئية، فحوّلنا الكم الهائل من البيانات غير المرتبة إلى بيانات مصنفة، متاحة بشكل بصري تفاعلي، يسمح للقارئ أو المستخدم الاطلاع على صورة إجمالية أوضح للبيانات، وتفصيلية في الوقت نفسه، لأننا اعتمدنا في بناء الأشكال البصرية التي تعرض البيانات على وحدات صغيرة جدًا تمثل كل وحدة منها قرارًا ما بكافة تفاصيله.
حسابات آلية على تويتر تقود صراعًا سياسيًا في مصر
مواقع التواصل الاجتماعي كمادة للاستقصاء
شهدت الفترة الأخيرة استخدمًا مختلفًا لمواقع التواصل الاجتماعي، من كونها مساحة للهرب من الواقع الحقيقي، بتبادل الأحاديث الخفيفة والصور الطريفة أو الساخرة، إلى الزج بها في معارك السياسة، وهو الأمر الذي لفت انتباهنًا خاصة خلال شهريّ يونيو ويوليو الماضيين، عندما اندلعت «معركة وسوم» سياسية وتصدرت قائمة الأكثر تداولًا «الترِند» على موقع التدوينات القصيرة تويتر.
عكست هذه الوسوم في مجملها حالة من الصراع بين الفريق المعارض للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والفريق المؤيد له، حيث أصدر كلا الفريقين عددًا من الوسوم (hashtags) المتضادة في المعنى والمختلفة في طريقة الكتابة أو الصيغة، استمرت لأيام متتالية في محاولة من كل طرف لجذب انتباه شريحة أكبر من مستخدمي موقع تويتر، واستقطاب أكبر عدد ممكن منهم لدعم كل وسم.
الصراع السياسي الذي انتقل إلى ساحة «تويتر» جعلنا نتقصى الأمر، من خلال التركيز على الموجة الأخيرة منه، ورصد وتحليل الكتلتين الكبيرتين اللتين كونهما وسمان مختلفان: (ارحل_يا_سيسي) و(السيسي_مش_هيرحل).
نقطة البداية .. كود برمجي
تمكن فريقنا خلال مدة التقصي والتحليل وإعداد القصة التي استغرقت شهرين، من جميع عينة قوامها 11 ألفًا و268 تغريدة تتضمن (إعادة تغريد – رد على تغريدة – تغريدة موجهة) ذكرت الوسم المعارض، وعينة أخرى قوامها ألفان و570 تغريدة بينية من الوسم المؤيد، خلال شهر يونيو، باستخدام كود خاص مكتوب بلغة البرمجة «R»، أتاح لنا بيانات مجدولة تتضمن تاريخ وتوقيت النشر الخاص بكل تغريدة، والنص المكتوب، وروابط ملفات الوسائط (صور – فيديوهات)، ونوعية وعدد التفاعلات التي حققتها كل تغريدة، واسم الحساب الذي أطلقها.
التكامل الذي يعتمد عليه فريقنا أتاح لنا ووفر علينا عناء استخلاص البيانات الأساسية لقصتنا، لأنه للأسف لا يوجد أداة مجانية تتيح استخلاص البيانات بهذا الشكل من موقع «تويتر» وهو الأمر الذي تغلبنا عليه بمساعدة أحد المبرمجين الذين يضمهم فريقنا في إنفوتايمز، كما أننا طوّرنا هذا الكود الخاص لاستخدامه بشكل أوسع وجعلناه متاحًا لبقية أعضاء الفريق من غير المبرمجين حتى يتسنى لهم استخدامه في أفكار أخرى يمكن تقصيها عبر «تويتر».
البحث عن الأشياء غير المألوفة
كوّنت البيانات التي حصلنا عليها كتلتين كبيرتين، وبداخل كل منهما كانت هناك كتل أصغر متفاوتة في الحجم، وكنا بحاجة لفصل هذه الكتل ومعرفة نوعية الحسابات التي شكّلتها، هل هي حسابات يملكها أشخاص عاديون أم أنها حسابات آلية مبرمجة «bots»، لذلك استخدمنا أداة Botometer، وهي أداة مجانية طورها معهد علوم الشبكات بجامعة إنديانا الأمريكية، تساعد على تحديد إلى أي مدى يحتمل أن يكون الحساب آليًّا بتقييمه على أساس مجموعة من المعايير، ثم يحصل الحساب على قيمة متوسطة كلية بين الصفر والخمسة، وكلما كان الحساب أقرب إلى درجة الصفر كان معنى ذلك أنه حساب بشري، وكلما اقترب من الخمسة، زاد احتمال أن يكون آليًّا.
ساعدتنا هذه الأداة بشكل كبير على تضييق دائرة الاشتباه، لكن رغم ذلك بقيت هناك عدة حسابات مثيرة للشك والريبة، بسبب نشاطها الضخم الذي لا يشبه النشاط العادي لحساب يديره شخص، من حيث كثافة التغريد، واتجاهه، وغيرها من الأمور التي جعلتنا نتوقف لبرهة، ونقرر أن نضع معيارًا خاصًا بنا لتحديد ما إذا كان أي من هذه الحسابات يملكها بشر أو أنها مبرمجة وتعمل بشكل آلي.
التطبيقات بمفردها لا تجدي نفعًا
حكمة كبيرة تعلمناها من هذه الجزئية، حينما لم تعطنا الأداة كل ما كنا نطمح إليه، وتركت عقولنا في حيرة وشك، لذا حددنا عدة معايير للحكم على هوية الحسابات، تتعلق بتاريخ تأسيسها وارتباطه زمنيًا مع الوسم الرائج، وكذلك اتجاه التغريد الذي يصب فيه الحساب، فأحيانًا نجد حسابات تعيد نشر تغريدات مناهضة لتوجهها العام (مؤيد- معرض) لمجرد أنها استخدمت الوسم الذي يشكل الاتجاه العام للحساب، ما يعني أنها مبرمجة على إعادة نشر التغريدات التي تضم وسمًا محددًا دون التفكير في مضمون التغريدة وما إذا كان يخدم التوجه السياسي للحساب أم لا، إلى جانب اسم الحساب، وهل هو اسم عادي، أم مكون من رموز، وكذلك الصورة التي يستخدمها، ونسبة من يتابعهم الحساب إلى من يتابعونه، فلا يعقل مثلًا أن يكون هناك آلاف المتابعين لحساب لا يتابع سوى حساب واحد أو اثنين.
بعد عدد كبير من عمليات التصفية والتصنيف والتتبع، تمكنا من رصد عدة حسابات آلية كان لها نشاط مؤثر في الحدث، باتجاهيه (المؤيد- والمعارض)، وخطورة هذا الأمر تكمن في أن نشاطات هذه الحسابات الآلية تقلل من فرص إدارة نقاشات صادقة حقيقية على هذه المنصات الاجتماعية عبر الإنترنت.
الكشري كمقياس للتضخم
تحويل البيانات إلى لغة مفهومة للجمهور
هذه القصة هي خير مثال على أهمية أن يعرف الصحفي الطريقة المثلى لمخاطبة الجمهور وتبسيط المصطلحات شديدة التخصص التي ينفر منها الغالبية العظمى من الناس، وهنا مثلًا أردنا قياس معرفة حجم التضخم في السوق المصرية، ففكرنا في مؤشر للتضخم له جاذبية كبرى، وهنا لم نجد أفضل من وجبة الكشري الشعبية التي يحرص على تناولها طيف كبير من المصريين، من مختلف الشرائح الاقتصادية.
منهجية الاختيار
تتميز وجبة الكشري، بما لا يتميز به غيرها من الوجبات الشعبية المصرية الأخري في كونها خليط من عدة مكونات، مثل الأرز والمكرونة والعدس، والحمص، والبصل، وصلصة الطماطم، والثوم، والزيت، ما يتيح لنا قياس التغيير الذي طرأ على عدد كبير ومتنوع من السلع الشعبية، وهو الأمر الأشبه بمؤشر التضخم الذي يعكس التغير في أسعار سلة من السلع الاستهلاكية.
استطلاع رأي الجمهور كمصدر للبيانات
في البداية أردنا أن نعرف من يستحوذ على سوق الكشري في مصر، فطلبنا من جمهورنا على مواقع التواصل الاجتماعي المشاركة في استطلاع رأي أعددناه، لنحدد من هم الكبار الخمسة الذين يسيطرون على هذه التجارة، وعدد مرات تناول هذه الوجبة، والفئة العمرية وشرائح الدخل الخاصة بالمشاركين في الاستطلاع، حيث توفر لدينا في النهاية بيانات مجدولة من 240 شخصًا.
تحليل النتائج قادنا للخطوة التالية
قمنا في هذه المرحلة بتحليل نتائج الاستطلاع لنجد أن 5 محال كانت الاختيار الأول لأكثر من 80% من المشاركين في الاستطلاع، فتوجهنا إلى هذه المحال واشترينا علبة كشري من فئة سعرية موحدة، وأحضرناها لغرفة أخبار إنفوتايمز، لنبدأ مرحلة أخرى أكثر ابتكارًا، حيث قمنا من خلال عمل دؤوب بوزن كل علبة على حدة، ثم فصل مكوناتها، ووزنها على حدة، فاكتشفنا نتائج مثيرة، مثل أن أحد هذه المحال الشهيرة يبيع لجمهوره ما زنته نصف علبة يبيعها محل آخر منافس بالسعر نفسه.
ابتكار أداة قياس خاصة
مرحلة أخرى انتقلنا لها في هذه الخطوة، عندما قررنا تعبئة علبة كشري إنفوتايمز، باستخدام متوسط وزن مكونات العلب الخمس التي حللنا مكوناتها سابقًا، لنصنع مؤشر شعبي لقياس التضخم، استنادًا إلى بيانات رسمية مصدرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، عن أسعار السلع المكونة لوجبة الكشري، مثل الأرز والمكرونة والعدس وغيرها، خلال سلسلة زمنية متصلة، من عام 2000 إلى عام 2016.
وباستخدام هذه البيانات، إلى جانب ما توصلنا له من نتائج وتحليلات رقمية، قدمنا للجمهور أداة حسابية يستطيع من خلال إدخال بيانات محددة أن يتعرف على إجمالي القيمة الشرائية لمكونات علبة الكشري في أي شهر خلال النطاق الزمني الذي تغطيه البيانات، وهنا استخدمنا طريقة جذابة لعرض البيانات من خلال مشاركة القارئ والسماح له بما يمكن تسميته «اللعب بالبيانات».
أعداد الوفيات في السجون
الرواية التفاعلية للبيانات المكدسة المتاحة
إنتاج قصة صحفية مدعومة بالبيانات هو أمر شبيه بالعثور على حجر من الألماس في منجم للفحم، الأمر شاق ومجهد، وفي أحيان كثير نضطر للتضحية بعدد كبير من القصص المحتملة والأفكار المميزة، في سبيل إنجاز قصة واحدة، رغم إن إتمام الأمر ليس بالأمر السهل أو المضمون في كل مرة، وأحيانًا يكون من الأفضل البحث عن «ضربة حظ»، وكأنها دفعة للعجلة لتدور، أو بمثابة تحفيز سهل وسريع لمواصلة العمل.
وضربة الحظ تلك كانت قصتنا عن وفيات السجون، من خلال البيانات التي أتاحتها منظمة «دفتر أحوال»، وهي منظمة معنية بجمع البيانات وأرشفتها وتوثيقها القضايا المجتمعية، ومركز بحثي مقره القاهرة، بدأ مبادرة مستقلة في 12 يوليو 2015، حيث أعدت دراسة عن حالات الوفاة في أماكن الاحتجاز الشرطية والسجون، في مصر، في الفترة من العام 2011، إلى العام 2016، رصدت خلالها 800 حالة، وصنّفتها وفق سبب الوفاة، والنوع الجندري، والنطاق الجغرافي التي يوجد بها الحجز أو السجن.
ولعرض البيانات بشكل بصري تفاعلي وسهل الاستخدام، استخدمنا أداة flourish المجانية، التي تتيح عرض البيانات في عدة أشكال تفاعلية، هذا العرض البصري التفاعلي للبيانات، أتاح للجمهور فهمًا أسرع وأسهل لتفاصيل كثيرة تتعلق بالحالات الـ 800، وفي أي فترة زمنية وقع أكثر أو أقل عدد من حالات الوفاة، وما هو السبب الرئيس في الوفاة، وأي النوعين (الذكور – الإناث) كان له النصيب الأكبر من هذه الوفيات، وما هي المحافظة صاحبت أعلى أو أقل عدد من الوفيات.
من غاب ومن أبطل صوته في 3 انتخابات رئاسية
البحث في الجانب الآخر من القصة
تركز معظم الوسائل الإعلامية، في العادة، فيما يتعلق بتغطيتها لنتائج الانتخابات، على نسب المشاركة، دون الالتفات إلى نسب المقاطعة أو الأصوات الباطلة، التي إن وضعناها جنبًا إلى جنب مع نسب المشاركة سترسم لنا صورة أشمل وأوضح لاتجاهات التصويت، ومن ثم المشهد الأوسع للعملية السياسية.
ومثال على ذلك آخر انتخابات رئاسية شهدتها مصر، في أبريل من العام 2018، والتي أسفرت عن فوز الرئيس عبد الفتاح السيسي، بحوالي 24 مليون صوت من أصل 59 مليون مواطن ممن يحق لهم التصويت، اختاروا الذهاب إلى صناديق الاقتراع. هذا يعني أن 58.9٪ امتنعوا عن التصويت، وهنا فضلنا أن نبحث في الجانب المظلم من الصورة: في الأصوات الباطلة والأماكن التي قاطعت الانتخابات، لرصد التغير أو اتجاهات التصويت.
استغلال البيانات المتاحة
لم يكن من الصعب هذه المرة الحصول على البيانات، أو وضعها في صيغة جداول Excel، لأننا اعتمدنا في هذه القصة على الهيئة العليا للانتخابات، كمصدر للبيانات، وهي هيئة مستقلة، مسئولة عن إجراء وتنظيم الاستفتاءات والانتخابات في مصر بنص الدستور، لها موقع إلكتروني، تتيح من خلاله قاعدة بيانات مجانية، وتفصيلية عن الاستحقاقات الانتخابية، والنتائج التفصيلية الخاصة بمدن ومراكز الجمهورية كافة.
في العادة يوجه الصحفيون جل اهتمامهم للبيانات الرسمية التي تصدر عن هذه الهيئة، في أثناء تغطيتهم للأحداث الانتخابية، دون البحث فيما تتيحه من بيانات منظمة في جداول Excel.
تتبع التغيير ورصد الاتجاهات
وضع ما حصلنا عليه من بيانات في سياق المقارنة أمدنا بصورة أوضح لاتجاهات التصويت ومعدلات التغير التي شهدتها كل محافظة على حدة، ووجدنا أن غالبية المحافظات التي سجلت ارتفاعًا في معدلات المشاركة، سجلت في الوقت نفسه ارتفاعًا في أعداد الأصوات الباطلة، ما يعني أن اتجاه المشاركة كان سلبيًا، على عكس الصورة التي ركز عليها عدد كبير من وسائل الإعلام، وهذا البعد الجديد للمشهد الانتخابي كان نتاج التنقيب في التفاصيل التي تخفيها البيانات.
وأصبح بمقدور قرائنا مشاهدة هذا التغير في الاتجاه من خلال مقارنة خريطة الأصوات الانتخابية لكل محافظة، في الاستحقاقات الثلاثة، والتعرف على نسب المشاركة الخاصة بها، وعدد الأصوات الباطلة أيضًا.
كما اعتمدنا مرة أخرى على أداة flourish المجانية، التي تتيح عرض البيانات في عدة أشكال تفاعلية، هذا العرض البصري التفاعلي، أتاح لنا ولجمهورنا فهمًا أسرع وأسهل لتفاصيل كثيرة تتعلق باتجاهات المقاطعة، بل وأضافت بعدًا جديدًا لصورة التصويت، فوجدنا مثلا أن عددًا من المحافظات التي لم تسجل نسب مشاركة كبيرة في استحقاقات سابقة، باتت تشهد ارتفاعًا ملحوظًا لنسب المشاركة في استحقاقات لاحقة، وأن المحافظات التي سجلت ارتفاعًا في نسب المشاركة سجلت ارتفاعًا أيضًا في نسبة إبطال الأصوات.